في سنة 2004 اخترعت البحرية الأمريكية متصفح ويب مجهول، هو متصفح “TOR”، إذ طوره عالم الرياضيات الدكتور بول سيلفرسون، الذي كان يعمل في البحرية الأمريكية للعثور على أداة لاستعمال الإنترنت مجهول الهوية، وقد كان ذلك هو غايته منذ عام 1995.
وبصرف النظر عن أن لمتصفح تور تطبيقات غير سلبية، وخصوصا في الدول ذات الأنظمة القمعية، حيث يستخدمه النشطاء المؤيدون للديمقراطية لنشر انتهاكات حقوق وكرامة البشر، فإنه يستعمل كذلك من قبل آلاف مؤلفة من الناس، التي تستخدمه بهدف الولوج إلى الويب المظلم، في تجارة السلاح وغيره من المحظورات. ومن المهم بالملاحظة أنه بصرف النظر عن كل هذا، لا زالت البحرية الأمريكية هي الممول الأضخم له.
يقول سيلفرسون لصحيفة التلغراف البريطانية: “عندما بدأنا الشغل على تور، لم نجلس ونفكر كثيرا في آثار الخصوصية والأمن وتخبئة الهوية، لكن كان داع بحثنا هو السماح لموظفي السلطات الأمريكية بالذهاب إلى مواقع الويب العامة لجمع البيانات، دون أن يعرف أحد أن هناك شخصا من البحرية يبحث عن تلك الأشياء”.
الويب المظلم قسم من الويب العميق
يتحدث الكثير من المدونين عن كون الإنترنت العميق هو ذاته الإنترنت المظلم، ولكنهما في الحقيقة مختلفان بعض الشيء، فالإنترنت العميق هو الجزء الخفي من الإنترنت، وداخل ذلك الجزء الخفي يبقى الإنترنت المظلم.
بهدف تبسيط الفكرة أكثر يلزم أن نتطرق لأقسام الإنترنت. فالإنترنت ينقسم إلى إنترنت سطحي (Surface Web) وهو الإنترنت العادي الذي نستعمله عادة، فهذا الإنترنت يسهل الوصول إليه بمجرد الاتصال بالإنترنت، وبه تبقى المواقع التقليدية التي يستعملها المستخدمون على نحو متكرر كل يوم كجوجل وفيسبوك ويوتيوب، كما تبلغ إلى بياناته مواقع البحث في الإنترنت التقليدية، مثل جوجل، بينغ وياهو، لأن محتواه اجتمع للفهرسة (Indexed).
أما القسم الثاني فهو الإنترنت العميق (Deep Web)، أي الجزء الخفي الذي لا تؤرشفه أو تفهرسه مواقع البحث في الإنترنت هاته، والمواقع فيه تستخدم آي بي (IP) بلا اسم مدى، ما يجعل الوصول إليه صعبا. تلك الطبقة من الإنترنت تتضمن على الكثير من المعلومات المتبادلة على مدى ضيق، والتي يلزم على المستهلك أن يتوفر على اسم مستعمل وكلمة مرور من أجل الوصول إليها.
يحتوي محتوى الويب العميق مراسلات البريد الإلكتروني ورسائل الشات والمحتوى المخصص على مواقع الشبكات الاجتماعية والبيانات البنكية الإلكترونية والسجلات الصحية الإلكترونية والمحتويات الأخرى التي يمكن الوصول إليها عبر الإنترنت ولكن لا يتم فهرستها بواسطة مواقع البحث في الإنترنت المعتادة.
وتتغاير عوامل عدم فهرسة محتوى الويب العميق. من الممكن أن يكون المحتوى مملوكا، وفي تلك الوضعية لا يمكن الوصول إليه سوى من قبل الزوار المعتمدين، الذين يدخلون عبر شبكة خاصة افتراضية (VPN). أو من الممكن أن يكون المحتوى تجاريا، وفي تلك الوضعية يكون موجودا وراء جدار العضو، ولا يمكن الوصول إليه سوى من قبل الزبائن الذين دفعوا رسوما. أو على الارجح يتضمن على بيانات توضيح مفهوم شخصية (PII)، وفي تلك الوضعية يتم حراسة المحتوى عن طريق أنظمة الامتثال ولا يمكن الوصول إليه سوى من قبل الأشخاص الذين مُنحوا مَزايا الوصول.
ببساطة، حين يبحث الشخص عن شيء في جوجل فإن العواقب التي تبدو له هي محتوى الإنترنت السطحي، في حين حين يدخل إلى حسابه في موقع “Gmail” مثلا، فإنه يلج إلى الإنترنت العميق، حيث المحتوى المعروض ليس متاحا للجميع.
وفي الأخير نجد القسم الثالث المثير للارتياب، وهو الإنترنت المظلم (Dark Web)، أي ذاك الجزء الأكثر عمقا من الإنترنت، والذي تنشط فيه الممارسات غير المشروعة والجرائم المغيرة. كثيرا ما ما يستعمله من يريد تخبئة هويته ونوعية نشاطه على الإنترنت، ومن يرغب في أن يهرب من الرقابة والتعقب، إذ يلجأون لاستعمال نطاقات ذات امتدادات غير اعتيادية، كي يصعب على مواقع البحث في الإنترنت أرشفتها. وهو مسرح لأنشطة مستغلي الأطفال جنسيا وتجار المواد المخدرة والإرهابيين، لعدم حضور عناوين “بروتوكول إنترنت” (IP addresses) أو سيستم اسم المدى (DNS) ما يسمح لرواده بخصوصية وآمان فائقين.
كيفية الوصول إلى الويب المظلم
تعمل شبكة الإنترنت المظلمة من خلال الاعتماد على بروتوكولات غير تقليدية، فعلى ضد شبكة الإنترنت العادية التي تعتمد عادة على بروتوكول ”http”، وامتدادات نطاقات مثل “.Com” و“.Net” أو “.Org”، فإن شبكة الإنترنت المظلمة تستخدم بروتوكولات مغايرة وامتدادات نطاقات غير معهودة، مثل “.Onion” أو “.Bit”.
باعتماد شبكة الإنترنت المظلمة على تلك النطاقات المذكورة، تحافظ على سرية النشاطات التي تجري داخلها، واشتمل للمستخدمين الإفلات من أعين الرقابة، بحيث لا يسمح لأي كان الولوج إلى صفحاتهم من خلال المحركات البحث المتعارف عليها.
المتصفح الذي يؤدي تلك الهامة كما ذكرنا سابقا هو متصفح “تور” (Tor). ، إذ أنه المتصفح الذي يشفر هوية المستعمل ويبقيها مجهولة. ويقوم متصفح تور بتمرير اتصالاته بين شبكة من أجهزة الحاسب الآلي، بحيث يتجاوز دعوة المستهلك للمعلومات عبر سلسلة من أجهزة الحاسب الآلي للاستحواز على المعلومات، وهكذا أي فرد سوف يجد صعوبة في إيجاد المستعمل الذي يلج لهذا الموقع. بالإضافة الي ذلك، فإن تور يوفر خدمة تسمى خدمة تور السرية (TOR secret service) لأولئك الذين يرغبون في تخبئة مواقعهم، بنفس الأسلوب التي يخفي بها موقعه. تلك الخدمات ليست مشاعة وتنتهي بالعنوان.”onion” وعادة ما تتألف من شخصيات عشوائية لتدعيم الأمن المرتفع.
يمكن الاستعانة بمتصفح تور للولوج إلى الكثير من مواقع البحث في الإنترنت المختصة، التي تبحث في أعماق الإنترنت، ولعل أشهرها محرك Torch ومحرك البحث Archive الذي يتضمن على مكتبة كبيرة جدا من الكتب والبرامج والملفات، أيضاً هناك محرك البحث العلمي Science، وInformine الذي يسهل الوصول إلى المعلومات الأكاديمية العميقة.
ما هي الورقة النقدية النقدية المتداولة هناك؟
تحدث المعاملات في الإنترنت المظلم عادة بواسطة ورقة نقدية رقمية تسمى “بِتكُوين“، وهي ورقة نقدية معترف بها في ذلك العالم، وتحدث بها أغلب العمليات التجارية في شبكة الإنترنت المظلمة. وتحافظ البتكوين على سرية المستهلك عبر تشفير المعلومات المالية للمستخدمين، ولا تخضع لثمن الاستبدال الذي يسيطر على المصارف المركزية.
لا تصدق كل ما يقال لك عن الإنترنت المظلم
ترتبط مجموعة من الخرافات والأساطير بالإنترنت المظلم، فكلما حضر المفهوم في مناقشة محدد سوى وتجد قصصا غريبة ومرعبة ترافقه، كما يميل معظم الناس إلى تهويل حجمه، والجديد عن عدد لا متناه من الحكايات الخرافية التي يدعون أنهم شهدوها أثناء تصفحهم لبعض مواقعه.
يقول”Eric Pudalov” وهو صحفي استقصائي متخصص في الويب المظلم في تدوينة له على موقع “quora” أن الجديد عن عروض القتل المباشر (مثل “القاعات الحمراء”) على الإنترنت المظلم، وما إلى هذا، هو أمر غير منطقي. ويفسر طرحه قائلا: “بينما أن هناك احتمال بعيد أن مثل تلك الأشياء حاضرة، سوف يكون من العسير للغاية أن تفعل شيئا من ذلك القبيل على متصفح تور، لأنه على أقل ما فيها إذا كنت قد استخدمت سابقا TOR (أو بعض معاصريه، مثل I2P أو Freenet)، قد تلمح أنها تميل إلى أن يكون سرعة اتصال بطيئة بشكل كبير، ولتقوم ببث مباشر، يلزم أن يكون لديك اتصال سريع بشكل كبير.” ويضيف قائلا: “يأخذ تور وقتا طويلا لتحميل صفحات الويب الرئيسية حتى، لهذا سوف يكون من شبه المستحيل القيام بعرض عملية إعدام على الفور هناك.
يظهر أن الويب المظلم صار يستخدم لأغراض مخالفة كليا للغرض الذي أنشئ من أجله، فهل ستتمكن الحكومة من وقف الأفعال المخالفة للقانون التي تنتشر فيه؟ أم أن الميدان سيظل مفتوحا في مواجهة الخارجين على على التشريع؟