هل يمكنك قضاء أغلب فترات يومك محبوساً بداخل جهاز حديدي ضخم؟ بالطبع هي تجربة شاقة ومريرة ، ولكن هل تعلم أن هناك عدد كبير من الاشخاص قد اعتادوا عليها تماماً! , بول ألكسندر كان أحد هؤلاء الذين ظلوا حبيسي جهاز حديدى ضخم أكثر من 60 عاماً ، فقد عانى بول ألكسندر من إصابة بفيروس بوليو النادر عام 1952 ، والمسبب لشلل الأطفال ولارتخاء العضلات وضعفها، منذ أن كان طفلا في الخامسة من عمره. وهو الأمر الذى أدى حينها بالتبعية، إلى ضعف تنفسه، على خلفية معاناة عضلاته وعدم قدرتها على مد الجسم بالقوة اللازمة لسحب الأكسجين , لذا أجبر بول منذ الصغر، على استخدام جهاز الرئة الحديدية لمساعدته على التنفس، وذلك عبر خلق بيئة من الأكسجين حوله، تدفعه للتنفس بصورة شبه طبيعية , ففى بعض حالات الشلل، يفقد الصدر الحركة العضلية و يتعرض المرضى لخطر الاختناق، لأنهم لا يستطيعون الحصول على ما يكفى من الهواء لرئاتهم. و يساعد استعمال الرئة الحديدية المصابين بهذا الداء على التنفس
والرئة الحديدية عبارة عن صهريج معدني كبير متصل بمضخة تغير من كمية الهواء الموجود بداخل الصهريج وضغطه، يستلقى المريض داخل الصهريج ولا يبقى خارجه سوى رأسه و هناك لفة من المطاط حول رقبته تمنع تسرب الهواء , و تسحب المضخة الهواء من الصهريج ما بين 15 إلى 30 مرة خلال الدقيقة الواحدة , ومن ثم يرتفع صدر المريض ليدخل الهواء من خلال الأنف و الفم
استمر بول البالغ من العمر 70 عاما، على قضاء أغلب ساعات يومه، ولمدة تبلغ 64 عاماً، بداخل جهاز تنفس اصطناعي ، والمثير ان بول لم يستسلم على مدار حياته لأزمته الصحية تلك، بل تمكن من دراسة الحقوق بجامعة تكساس، حتى أصبح محامياً ذو سمعة جيدة
تعلم بول منذ سنوات طويلة، كيفية التنفس ولو لوقت قليل خارج جهاز الرئة الحديدية، وهو ما مكنه من القيام بنجاحات عملية مهمة، بعيدا عن الجهاز الذي يصفه بول بقوله: ” بالنسبة لي هو سجن، ولكنه كذلك كالشرنقة التي لا يمكنني الاستغناء عنها أبدا”
بالرغم من الحياة الصعبة التي عاشها بول، إلا أنه خلال عام 2015، اكتشف هذا الرجل الأمريكي أن الأصعب لم يكن قد أتى بعد، وذلك حين بدأ جهاز الرئة الحديدية الخاص به في التلف، وهو في الأصل جهاز قديم، تم إيقاف إنتاجه منذ عام 1960 , وهنا لم يستسلم بول للظروف، بل لجأ إلى تسجيل فيديو قصير له يصف فيه معاناته ، ونشره عبر موقع يوتيوب، قال فيه إنه قضي عمره معتمدًا على جهاز الرئة الحديدية، والذي يحتاج لقطع غيار لم تعد تصنع منذ فترة طويلة، مطالبا أي شخص يعمل في تصليح الأجهزة بمحاولة إنقاذ الموقف وهو الأمر الذي حدث بالفعل، إذ وصل الفيديو بالصدفة ، الى أحد مديرى المختبرات البيئية الكبرى، والذي تمكن من تصليح الجهاز بمعمله، ليسترد بول فرصة بقائه على قيد الحياة مجدداً ، والذى كانت بمثابة معجزة، حيث لم يعثر الرجل طوال حياته على الشخص القادر على التعامل مع هذا الجهاز من قبل
بول لم يكن وحيداً فقد كان هناك العديد من الحالات المشابة له منتشرة في جميع أنحاء العالم مثل ” مارثا ماسون ” Martha Mason وهى إنسانة غير عادية أمضت هى الأخرى أكثر من 61 عاما من حياتها داخل جهاز “الرئة الحديدية” الخاص بالتنفس الاصطناعي بعد أن أصبحت مشلولة وهى بعمر11 عاماً نتيجة لإصابتها بشلل الأطفال. وعلى الرغم من حالتها الصحية البائسة، عاشت حياة رغدة، وتخرجت من المدرسة الثانوية والجامعة بمرتبة الشرف، حتى أنها ألفت كتاباً بعنوان “التنفس: الحياة على إيقاع جهاز الرئة الحديدية”، Breath: Life in the Rhythm of an Iron Lung” والذي سردت فيه قصة تفوقها والتحديات التي واجهتها في الحياة , وفي منتصف التسعينات باشرت مارثا مهنة الكتابة ولكن هذه المرة باستخدام جهاز كمبيوتر يعمل بالصوت عبر توصيله بالإنترنت. وسرعان ما بدأت تؤلف كتابها الذي أهدته لوالدتها.أنها الإرادة الحديدية والإيمان بالقدرات الذاتية والتفاؤل هي من تصنع النجاح للشخص بعد الإيمان بالله عز و جل.