" وفرعون ذي الأوتاد. الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد". سورة الفجر الآية 10 إلى 12.
إن أعجوبة الأهرام ليست كامنة في شموخها وهندستها العجيبة فقط، ولكن أسرارها التي لم تكشف كلها هي سر العجب والدهشة في هذه المقابر الفرعونية التي ما فتئ الناس في كل عصر ومصر أن يبحثوا عن إجابات شافية لحل طلاسمها حتى وصل بكثير من الناس أن يقولوا إن الذين بنوا الأهرام إخواننا من الجن وما المصريون إلا عمال كانوا ينحتون من الجبال أحجارا يحملونها أو يجرونها لبناء تلك المقابر لسادتهم وطواغيتهم الحكام كما هم وغيرهم من الشعوب على مر الزمان يفعلون مع طواغيتهم. والأصل في هندسة وتصميم الأهرام هم الجن والسحرة عبيدهم من الإنس.
وثمة رأي يقوله اليهود أنهم هم بناة الأهرام. والحقيقة أنهم حينذاك لم يكونوا يهودا بل كانوا مصريين اعتنقوا ملة بني إسرائيل إلا أن الزمن طال عليهم مع قهر وإذلال وظلم الفراعنة لهم سخروهم مع بقية الشعب المصري المسكين كعمال سخرة يخدمون بناة الأهرام من المهندسين العباقرة أو السحرة المسخرين لهم خدام من الجن.
وعلى كل حال لا شك أن بناء الأهرام اقتضى أن يساهم فيه كل هؤلاء بما يثبت أن المصريين شعب حضارة على مستوى رفيع فأحجار الأهرام جيء بها من صعيد مصر فهي أحجار جرانيت تكثر في أسوان خاصة، ومن العجب أن أحجار الأهرام الثلاثة تكفي لبناء حائط مساحته 2 متر مكعب بطول 100000 كلم مربع.
والحقيقة التي يجهلها كثير من أدعياء هندسة العمارة وعلم الآثار أن الجن يستطيع أن يحمل أحجارا كأحجار الأهرام بلا مشقة ولا نصب بل يأتي بالأحجار من مكان بعيد والدليل قوله تعالى:" أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي آمين". سورة النمل 39.
أما هؤلاء المساكين من المصريين القدماء مهما زعم الزاعمون أنهم بنوا الأهرام بطريقة دحرجة الأحجار على اسطوانات وسحبها بالحبال فذا لا يقبله عقل وخاصة أن السحر كان علمهم الأول وكان السحرة مسخرون للحكام وكان خدمهم من الجن لا يقصرون وما العمال المصريون القدماء إلا مساعدين وما هذا العمل كان للجن بجديد وصدق الله إذ يقول:" ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريث وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آلا داود شكرا وقليل من عبادي الشكور". سورة سبأ الآية 12 ـ 13.
فالجن كانوا يعملون لسيدنا سليمان تماثيل أي تحف شامخة تماثل بعضها بعضا ولا أظن أنها تماثيل أصنام حاش الله، والمحاريب هي المساجد " ودخل عليها زكريا المحراب". فهي أماكن العبادة لله وحده وتطلق المحاريب على الحصون لأنها تصد اعتداء الحرب والحراب وجفان من الجفن أي جفن العين فهو من الصحن كالقعر والجواب جمع جب أي بئر أو حوض ماء وذلك يعني آنية عميقة وقدور راسيات أي لا تتمايل أو تهتز فكل ذلك من صنع إخواننا من الجن المسلم مما يؤكد أنهم لهم القدرة في البناء والصناعة.
قال النابغة الذبياني:
ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه
ولا أحاشى من الأقوام من أحد
إلا سليمان إذا قال الإله له
قم في البرية فاحددها عن الفند
وخيس الجن أنى قد أذنت لهم
يبنون تدمر بالصفاح و العمد
وقد جاء في الكثير من الآثار العلمية القديمة أن الجن وليس اليهود هم الذين بنوا تدمر بسوريا. وصدق الله إذ يقول:" والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد". سورة ص الآية 37 ـ 38.
إذن فالجن له قدرة على البناء والبناء الشامخ المتين خاصة كالأهرام التي فيها من الأحجار ما يزيد وزنه عن الطن، ناهيك عن علة البنيان وهندسته العجيبة وحمل حجر ليس بثقيل على الجن ولا معضل بل سرعة القيام بالحضور به لأمر أعجب.
قال تعالى:" قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي آمين". سورة النمل 39.
إنه عرش ملكة سبأ بلقيس التي دعاها سليمان عليه السلام:" إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين".
ولعلم سليمان بأنها ستحضر بعلم من الله وستسلم لله رب العالمين أراد أن يريها أية من آيات الله في ملكه وبما أنها قبل الحضور كافرة فيجوز سلبها عرشها وإلا لو أسلمت لا يجوز فلذا قال:" أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين". وهذا من البلاغة القرآنية الجميلة وروعة البيان في القرآن.
فلا شك أن الجن الذي يحمل عرش بلقيس بثقله وبعد المسافة من القدس لسبأ ببلاد اليمن وبهذا الزمن القياسي الذي في زمننا نعجز أن نفعل مثله مع ما تدعيه حضارة القرن الواحد والعشرين من تقدم ورقي فإنه ورقة الفاكس تأخذ زمنا أكثر من تلقي إشارة مكتوبة وهي تنتقل من مكان لآخر وهذا يؤكد أن هناك حضارات سادت ثم بادت أعظم شأنا من حضارة الغرب الهشة.
فحاصل القول أن الجن في زمن الفراعنة الذين كانوا يعتزون بالسحر والسحرة لهم الدور الفاعل في بناء الأهرام وإن كانوا تحت إشراف الإنسان نفسه طاغوتا كان أو ساحرا وخاصة أن الإنسان نفسه كان يعتمد في بناءه للصروح العاليات على الطين المحترق فهو شيء أسهل وخفيف وليس كأحجار الأهرام الرهيبة. قال تعال:" وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين، واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون". سورة القصص الآية 38 ـ 39.
فأقصى ما كانت تعرفه دولة الفراعنة في فن البناء الطين المحترق الذي كانوا يظنون بأنهم يبنون به الصروح العالية توهما بأنهم يستطيعون أن يصلوا به إلى السموات العلى ولكن بما أن عصرهم كان يعتمد على السحر كعلم وسلاح وحضارة في تصورهم لذا سخروه لتسخير الجن في بناء الأهرام والأصنام وفن التحنيط مع الشعب المصري الذي عمل كعمال صخرة تلهب السياط ظهورهم لخدمة الجن والطغاة.