قامت عقيدة المصريين القدماء حول العالم الآخر والحياة الأبدية على الحفاظ على سلامة الجثمان والمكان الذي يوجد فيه، ومن ثم كان الاهتمام بصناعة التوابيت وتشيد المقابر والتي حرص المصمم فيها على تطوير وسائله لحماية حجرة الدفن، ووضع إجراءات خاصة لتأمينها من السرقة وحماية محتوياتها وخاصة المومياء وما كان يوضع معها.
حملت المقابر والتوابيت في مصر القديمة قدسية خاصة، استمدت من العالم الآخر والحياة الأبدية، والتي آمن بها المصريون، وعملوا على التحضير لها، من خلال وضع كل ما يحتاج إليه المتوفى في رحلته إلى الآخرة معه في حجرة الدفن، ما جعلها مطمعا للكثير من لصوص المقابر.
ظهرت أول محاولة لحماية "حجرة الدفن" في مصاطب الأسرة الأولى، وذلك بجعل حجرة الدفن في قاع بئر منحوتة يتراوح عمقها من مترين إلى ثلاثة أمتار، وغلق الحجرة نفسها بكتلة كبيرة من الحجر، حتى لا يستطيع لصوص المقابر الوصول إلى حجرة الدفن وسرقة محتوياتها، وفي العصور التي تلت عصر بداية الأسرات تطورت الوسائل والأساليب التي استخدمها المصري القديم لحماية المقابر.
تقول د. سليمة إكرام، أستاذة علم المصريات بالجامعة الأميركية في القاهرة: إن الفراعنة استخدموا التوابيت لحماية المومياوات، حيث اعتبروه من أهم الضمانات الرئيسية التي تتطلبها الحياة الأبدية بعد الموت، وتطور التابوت على مر العصور، فكان في الدولة القديمة (الأسرة الثالثة) في صورة صندوق ضخم من الحجر الجيري الأبيض، مستطيل الشكل، له غطاء من نفس الحجر، أما توابيت الملوك وكبار الشخصيات فكانت من أحجار أكثر صلابة كالجرانيت والكوارتز، لتمثل تحديا أصعب للصوص، كما كان يُنقش عليه نصوص دينية هدفها ردع السارق وتحذيره من عواقب اقتحام غرف الموتى.
وتابعت: يوضع التابوت بعد ذلك في فتحة في أرضية غرفة الدفن، كما في هرم الملك خفرع، لافتة إلى أنه في عصر الدولة الحديثة زاد حجم التابوت كمحاولة لحماية مومياء الملك، وذلك بإحاطتها بعدة أطنان من الجرانيت ووضع المومياء في أكثر من تابوت من الخشب، كما هي الحال عند توت عنخ آمون.
وأضافت إكرام: استخدمت الأبواب المنزلقة والسدادات الحجرية ومن الجرانيت في داخل ممرات أهرام الأسرة الرابعة حتى السادسة، وخاصة في الممرات المؤدية إلى حجرة الدفن، ولتوفير قدر أكبر من الحماية أعدت ممرات التمويه وأبواب سرية لتضليل اللصوص، مثل الممرات الخفية التي تخفيها أبواب سرية في هرم الملك أمنمحات الثالث في هوارة، كما عمد المعماريون المصريون أحيانا في مقابر كبار الشخصيات والقادة، إلى إقامة غرفة وهمية للدفن حتى يخدع اللصوص.
ويشير د. جمال عيسى، أستاذ التاريخ الفرعوني بجامعة القاهرة، إلى أن المصري القديم لجأ إلى السحر كخط ثان للدفاع ولحماية المقبرة، وقد زاد اعتماد المصري على السحر زيادة فائقة في العصور المتأخرة، حيث كان الهدف من بعض التمائم إضافة حماية عامة على المومياء، واختص بعضها بوظائف محددة، مثل التمائم التي تمثل أعضاء جسم الإنسان، والتي يمكنها أن ترد إليه ملكاته الحسية، موضحاً أن التمائم اتخذت أشكالاً متعددة، منها شكل الثعبان الذي يقي المتوفى من لدغته، لافتاً إلى أنه من أهم أشكال التمائم التي تحقق الحماية الكاملة، عقدة إيزيس (تيت) ويوفر الحماية بواسطة إيزيس، وعمود (جد) الذي يمثل حماية أوزير، وعين حورس (واجيت).
وتابع عيسى: كان يتم وضع على المقابر عبارات بها تحذير من الاعتداء على حرمة المقبرة، ومنها على سبيل المثال ما كتب في مدخل حجرة الدفن الخاصة بـ توت عنخ آمون، عبارة "الموت سوف يمس بجناحيه من سوف يقلق في أبدية الملك الذي يرقد في هذا المكان".
في حين يوضح أمير جمال، الباحث الأثري، أنه في عهد الملك تحتمس الأول، تم حماية المقبرة الملكية في واد منعزل خلف منحدرات الدير البحري المعروف باسم "وادي الملوك"، وكان أول من دفن هناك الملك تحتمس الأول الذي كان قد كلف مهندسه أنيني بالبحث عن المكان الملائم وإعداد مقبرته فيه، كما زودت المقبرة الملكية في البر الغربي بطيبة، ببئر تسد الطريق للغرفة الأمامية لحجرة الدفن كأحد الملامح المميزة للمقبرة الملكية، فقد كانت البئر وسيلة لحماية المقبرة من اللصوص ومن مياه السيول التي قد تتسرب إلى جوفها.
أما في الأسرة الثانية والعشرين والأسرة السادسة والعشرين، فيقول جمال: إن المصريين استحدثوا وسيلة جديدة لحماية المقابر، تقوم على حفر بئر متسعة تبلغ حوالي 10 أمتار تقريبا وعمقها حوالي ثلاثين مترا، ويشيد في قاع هذه البئر حجرة دفن مربعة الشكل، ثم حفرت بئر موازية أقل اتساعا تتصل بحجرة الدفن عن طريق دهليز أو ممر ضيق أفقي يسد بثلاث كتل حجرية ضخمة.
وبعد الانتهاء من مراسم الدفن وإغلاق التابوت الذي يكون قد وضع مسبقا في الغرفة أثناء بنائها، يتم ملء حجرة الدفن بالرمال، ثم يتم إغلاقها بثلاث كتل حجرية، وأخيراً يتم ملء البئر بالرمال أيضاً، ما يجعل أي لص يحاول سرقته يدفن تحتها بفعل انهيار الرمال عليه، ومن أفضل نماذج هذا النوع مقبرة آمون – تف – نخت، في سقارة، ويقتصر هذا الطراز رغم فاعليته في الحماية على جبانة منف، مشيراً إلى أنه كانت هناك طريقة أخرى لحماية المقبرة الملكية، وذلك ببنائها داخل حرم المعبد الرئيسي بدلاً من إقامتها في موضع ناء وبعيد، مما يوفر للصوص الفرصة للعمل، وبذلك أصبحت المقبرة الملكية تحت أنظار الكهنة، وقد استخدمت هذه الطريقة في مقابر ملوك الأسرتين الحادية والعشرين والثانية والعشرين في تانيس، وأيضا ملوك الأسرة السادسة والعشرين في داخل سور معبد نيت.
وفي السياق نفسه، يؤكد د. أحمد عبدالعزيز، الخبير بمركز الدراسات البردية والنقوش بجامعة عين شمس، أن هناك برديات توضح عمليات السرقة، رغم الإجراءات المشددة والوسائل المتعددة لحماية المقابر، حيث تبين فتح مقبرة توت عنخ آمون في الأزمنة القديمة من خلال فتحتين متعاقبتين أعيد طلاؤهما، موضحاً أنه في عهد سيتي الثاني ظهر أشهر اللصوص ويدعى بينب، والذي كان ضمن عمال إنشاء قبور الملوك، حيث قام بينب باقتحام القبر عندما مات الملك سيتي الثاني بعد ثلاثة أيام من الدفن، وأخذ يجول فيه بحرية وسرقة ما يريد، إلا أن الحراس شاهدته وتم القبض عليه ومحاكمته ثم إعدامه، مشيراً إلى ظهور برديات عديدة تحمل في طياتها وقائع لمحاكمات تخص سارقي القبور، يرجع تاريخها إلى عصر الأسرة العشرين، منها بردية مايرB، والتي تضم وصفًا لاعترافات المتهمين بسرقة مقبرة رمسيس السادس.