يمثل اعطاء إبر أجهزة قياس السكري صداعًا مزمنًا للمرضى، وخصوصا للأطفال إذا تعددت القياسات على مدار اليوم، لكنهم دائمًا ما يتحملون هذا في طريق إخضاع معدلات السكر يملكون، لتلافي مضاعفات الداء قدر الإمكان.
وفي خطوة تمثل "علامة فارقة في حياة مرضى السكري"، نجح باحثون يونانيون في تحديث امتحان يعتمد على أخذ عينة طفيفة من لعاب عليل السكري من النوع الأول؛ من أجل رصد معدلات السكر يملك بدقة تشابه دقة امتحان الدم، كما أنه يتوقع بمضاعفات الداء قبل ظهورها بسنوات.
التعليم بالمدرسة أجراها باحثون في كلية طب وجراحة الأسنان بجامعة أثينا، بالتنسيق مع باحثين بمركز دواء السكري بمستشفي الأطفال في العاصمة اليونانية، ونشروا نتائجها في دورية (Frontiers in Physiology) العلمية.
ووفق الفريق، فإن تقدير وضعية مرضى السكري بنوعيه الأول والثاني، يعتمد جاريًّا على قياس معدلات السكر في الدم، إلا أن أخذ عينات الدم دائما يؤرق السقماء ويزيد من معاناتهم.
وأضافوا أن الأفراد الجرحى بداء السكري من النوع الأول ينتجون اعدادً ضئيلةً جدًّا من الإنسولين، الذي يؤدي دورًا أساسيًّا في حرق السكر لحصول الجسد على الطاقة الضرورية.
ويسبب قلة تواجد الإنسولين تراكم السكر في الدم، الذي يقود إلى مضاعفات مثل تلف الفؤاد والأوعية الدموية والكُلى والعين والأعصاب.
ومع عدم وجود دواء جذري لمرض السكري من النوع الأول، فإن المفتاح لمنع تلك المضاعفات هو التحكم الدقيق في معدلات السكر في الدم.
ويتحقق هذا من خلال الاستحواذ على جرعات الإنسولين الضرورية، بالتوازي مع تنقيح نمط الحياة مثل النسق الغذائي وممارسة الرياضة، إلا أن هذا يحتاج تصرف "امتحان دم" على صوبٍ منتظم لمراقبة معدلات السكر، وهو ما قرر الفريق البحثي الدفاع والمقاومة له عبر استعمال عينة لعاب طفيفة تحل محل عينات الدم.
وعادةً ما تتم الإصابة بالنوع الأول من السكري نحو قيام الإطار المناعي في الجسد بتدمير الخلايا التي تسيطر على معدلات السكر في الدم، ويكون أغلبها بين الأطفال. ولا يتشابه النوع الأول عن النوع الثاني، الذي يتضح أساسًا من جرّاء فرط الوزن وقلّة النشاط الجسدي.
بروتينات اللعاب
وللوصول إلى نتائج التعليم بالمدرسة، راقب الفريق 36 طفلًا، قسموهم بالتساوي إلى 3 مجموعات، كانت الأولى مصابة بالسكري من النوع الأول، وقد كانت معدلات السكر تملك غير منضبطة، أما المجموعة الثانية فكانت مصابةً بالمرض إلا أن معدلات السكر تملك منضبطة ومراقَبة دائما، وأما المجموعة الثالثة فكانت غير مصابة بالسكري.
وحلل الفريق عينات اللعاب عند مرضى السكر من النوع الأول، وهذا باستعمال تكنولوجيا عالية الحساسية لتحديد نوعية وكميات زيادة عن 2000 من البروتينات المتواجدة في اللعاب، تتركز أغلب وظائفها على مساندة الجهاز المناعي أمام الأمراض، إضافة إلى التئام الجروح، وتيسير عملية الهضم.
وبالتزامن مع فحص عينات اللعاب، خضع جميع المشتركين لمراقبة سكر الدم فى جميع الاوقات، باستعمال عينة الدم التقليدية.
ووجد الباحثون أن مرضى السكر من النوع الأول الذين كانت معدلات السكر يملكون منضبطة؛ لأنهم يتمتعون برصد جيدة لنسبة السكر في الدم، يملكون سمات مماثلة من البروتين اللعابي لغير الجرحى بالسكري.
في المقابل، أظهر الأطفال الذين يتكبدون من مرض السكري من النوع الأول الذين لا يخضعون للرقابة الكافية لنسب السكر، وجود سمات غير مشابهة للبروتين نفسه.
ونوه الفريق حتّى البروتينات التي عثروا عليها في اللعاب كانت تعكس صعود نسبة السكر في الدم، وعمليات الداء المتعلقة بها عند السقماء الناشئين الجرحى بداء السكري من النوع الأول، قبل ظهور المظاهر والاقترانات السريرية بفترة طويلة، ما يعاون على التنبؤ بالمضاعفات طويلة الأجل للمرض والوقاية منها.
وقد كانت المتغيرات في البروتينات المعروفة بأدوار أساسية في مهنة الالتهاب والتخثر في الأوعية الدموية، وهي عمليات تعطلت نتيجة لـ ازدياد نسبة السكر في الدم، وبذلك تسببت في المضاعفات الأساسية طويلة الأجل لمرض السكري.
اللعاب.. مرآة الصحة
وتعليقًا على نتائج التعليم بالمدرسة، تحدثت "هيليني فاستارديس" Heleni Vastardis، قائد فريق البحث: "إن اللعاب يمثل مرآةً لصحة الجسد وعلامةً على مرضه، كما أنه يُعَدُّ نقطة تبدل في ميدان الرعاية الصحية والممارسة السريرية".
وفي عصري لـ"للعلم"، أضافت فاستارديس أن "عينات اللعاب تُعَدُّ سهلة وبسيطة وغير مسببة للالم، ودراستنا أثبتت أنها تُعَدُّ أداةً تشخيصيةً فانتةً للأطفال المجروحين بالسكري من النوع الأول، على ضد عينات الدم التي تسبب لهم وجعًا".
وعن نطاق ظهور مضاعفات الداء على المجروحين من عدمه، ذكرت أنه "على نحو حاسم، لم يتضح على أيٍّ من السقماء الذين أُجريت عليهم التعليم بالمدرسة أية مظاهر واقترانات سريرية لتلف العين أو الكُلى أو الأعصاب، إلا أن امتحان اللعاب أعلن شواهد الخطر على السقماء مبكرًا، ما يمكِّن الأطباء من إحكام القبضة على المظاهر والاقترانات قبل ظهورها.
وحول ضرورة اكتشاف شواهد الداء قبل ظهور المظاهر والاقترانات السريرية، ذكرت فاستارديس أن فريق البحث سيستخدم النتائج لتصرُّف أبحاث حديثة ولتحديد دواء وقائي جائز حديث للمرضى صغار العمر الذين يتكبدون من تضاؤل فرض السيطرة على نِسَب السكري، عبر الاستناد إلى قاعدة معلومات الجينات؛ إذ من الممكن أن تعاون الأدوية الحديثة على تحويل تركيبة بروتينات اللعاب المتعلقة بتزايد نِسَب السكر في الدم.
أما عن ميعاد طرح الامتحان الحديث في المتاجر، فقد أفادت: "نتصور أن هذا سيقع في المستقبل القريب".
وأضافت: سوف يمكننا على تشخيص التخطيطات العلاجية الفعالة لمرض السكري ومراقبتها بالاستعانة بقطرة من اللعاب لاغير، بواسطة تقنيات فائقة الحساسية ومحددة بشكل كبير، وسنرى ذلك الامتحان قريبًا في عيادات السكري.
لكنها أضافت أن "هناك عوز إلى تجربة الامتحان على مجموعات أضخم لاستعمال البيانات على أكمل وجه وحساب التبايُن الممكن عند السقماء".
نقلة نوعية
من جهته، رأى "مصطفى كامل هدية" -استشاري أمراض الباطنة والسكر والتغذية العلاجية- أن ما توصل إليه فريق البحث يُعَد نقلةً نوعيةً عظيمة، في رصد مضاعفات مرض السكري من النوع الأول، التي تتحسن بشكل سريع وفي صمت.
واستكمل في عصري لـ"للعلم"، أن ذلك الامتحان إذا جرى توثِيقه فعليا، فإنه سيرصد مضاعفات السكري عند الأطفال، ويقيهم خطرَ ظهور المظاهر والاقترانات السريرية ومضاعفات الداء التي عادةً ما تبدو على الكُلى والعينين والأعصاب في سن العشرين، أي عقب 10 إلى 15 سنة من الإصابة بالمرض.
وذكر أن النتائج تحمل أخبارً سارة لمرضى السكري من النوع الأول، الذين يتطلبون إلى قياس نِسَب السكر يملكون نحو 3 مرات متكرر كل يومًّا.
وفي بعض الأحيان يمكن أن يصل الشأن إلى 6 مرات متكرر كل يومًّا عند السقماء الحديثين، قبل الوجبات الثلاث الأساسية وبعدها، لضبط نسب السكر ورصد استجابتهم للعلاج، على حسب منحة، الذي أزاد أن امتحانات الدم التقليدية تُعَد عمليةً مربكةً ومرهقةً لهم، وقد ينجم عنها التهابات، بعكس أوجاع وخز الإصبع بجهاز قياس السكر.
ونوه حتّى قياس معدلات السكري بواسطة اللعاب ليس بالجديد؛ إذ أفصحت مؤسسة أمريكية في 2015 عن تحديث جهاز يرصد معدلات السكر عبر عينات اللعاب، إلا أن الحديث في البحث هو مراقبة مضاعفات الداء قبل ظهور مظاهر واقترانات سريرية، من خلال بروتينات اللعاب.
وشبّه ما توصل إليه الفريق بالنقلة النوعية التي حدثت في تاريخ دواء السكري، عندما جرى تعديل فحص السكر التراكمي، الذي يرصد شواهد السكر عند السقماء أثناء الشهور الثلاثة الأخيرة، وأحدث هذا فارقًا هائلًا في دواء السكري؛ إذ مكّن الأطباء من قياس نطاق نفوذ الأدوية على السقماء، وإمكانية تحويل أو إضافة عقاقير محددة إلى أن ينتهي إخضاع السكري عند هؤلاء السقماء.
وأشار بأن ذلك الامتحان يرصد مضاعفات الداء قبل ظهور أعراضها السريرية بمدة هائلة، قبل أن تبدو في صورة التهابات في الأعصاب، قد تتواصل من 4 أعوام إلى 5، حتّى تبدو مظاهر واقترانات مضاعفات الداء في صورة اعتلال الشبكية السكري، الذي من الممكن أن يؤدي في الخاتمة إلى العمى، فضلا على ذلك المضاعفات الأخرى على الكلى والجهاز العصبي.
واعتبر أن النتائج تفتح باب الأمل لظهور أدوية حديثة، تعتمد على تحويل عينات اللعاب، لتحاشي مضاعفات السكري من النوع الأول، وليس لاغير الاعتماد على إخضاع نسب السكر.