ما معنى الامراض النفسية فى العصر القديم والحديث

Sunday, March 11, 2018

ما معنى الامراض النفسية فى العصر القديم والحديث





هي الأمراضُ التي تَتَواضح باضطراباتٍ في النَّفس والسُّلوك، ومنها اضطرابُ الذهن (الجنون Insanity) والهَذَيان Onirismوالهَوَس (المانيا Mania) والسَّوداوية (المالينخوليا
Melancholia) والوَسواس Obsession.

وأضافوا إليها مرضَ العِشق Love Sickness الذي عَدُّوه، في بعض الحالات، مَرَضاً نفسياً.

كان يُنظَر إلى الأمراض العقلية أو السيكولوجيَّة، منذ أقدم الأزمنة، على أنَّها أعمالُ الجنِّ التي تتلبَّس السقماءَ العقليين. ولهذا قد كانت معالجتُها تعتمد على السِّحر والرقى والتَّعاويذ.

أمَّا معالجةُ عدم اتزان الذهن (الجنون) فكانت تَأناسُ على تَعذيب العليل وضَربه وتَجويعه، وتقييده بالسَّلاسل وعزله عن المجتمع، للتخلُّص من الجنِّي المتلبِّس به. وبهذه الوسائل، يطلع الجنِّي من رأس العليل، ويولِّي هارباً من هذه المعاملة القاسية.

سوىَّ أنَّ الأطبَّاء العرب والمسلمين صحَّحوا تلك المفاهيمَ وعَدُّوا الأمراضَ العقليَّة قلاقِلٍ عضويةً، مثلها مثل بقية الأمراض التي تَعتَري َأعضاء الجسد؛ وهي، في تلك الوضعية، إصابات عضوية تطرأ على الدِّماغ.

ولذلك، راحوا يُمرتفعِجونها بالأدوية المهدِّئة، والراحة المطلقة، والرِّياضة المنشِّطة، والموسيقا، والغناء، والمعاملة الإنسانيَّة الرَّحيمة. كما كانوا يُخصِّصون للمرضى المهتاجين قاعاتٍ خاصَّةً في المستشفيات تتوفَّر فيها عواملُ الرَّاحة والهدوء والطُّمأنينة، ويشرف عليها أطبَّاء رحماء وممرِّضون وخدم متدرِّبون.

وفي ذلك الحين بَرَعَ الأطبَّاءُ العرب في بحث القلاقِل التي تطرأ على الذهن، وأَجادوا في وصف أعراضها وإشاراتِها.

وربما أَدركَ الأطبَّاءُ المُسلِمون أكثر أهميةِّيةَ الرِّعاية الصحِّية والنَّفسية والاجتماعيَّة للعليل، فكانت دورُ الرِّعاية النَّفسية شائعةً في كلٍّ من دمشق عاصمة سوريا وبغداد والأندلس، وقد كانَ الدواءُ بالعمل والموسيقى من الطرق العلاجيَّة الشَّائعة في تلك الأماكن التي كان يُطلَق عليها تسمية البيمارستانات، وقد كانت تَمقصدُ إلى إرجاع الثبات والتَّوازُن للمرضى نفسياً.

ويظهر أنَّ الطَّبيبَ الفَرنسي المُسمَّى "أبو الطبِّ النَّفسي الجديد" بينيل Pinel (1745-1820 م) قد كانَ مطَّلعاً ومتأثِّراً بطرق الرِّعاية والعلاج التي قد كانت متَّبعةً في العالم الإسلامي؛ ففي إحدى كتاباته العائِدَة إلى عام 1819 م، نوهَ إلى أنَّه في عام 1425 م جرى في مدينة سَرَقُسطَة الإسبانيَّة تأسيسُ مِصحَّة للأمراض العقليَّة تحت شِعار الصحَّة للجميع، وقد كانت تلك المصحَّةُ تتَّبع طريقةَ المعالجة بواسطة العَمَل الزِّراعي. وقد كانت مثلُ تلك المصحَّات شائعةً في مناطق عديدة من الأندلس.

كما قد كانت لقُدامى الأطبَّاء العرب والمسلمين لهم دِرايةٌ وخبرة في معالجةِ تلك الأمراض وإنقاذ المجروحين بها بالوسائل السَّالفة الذِّكر، وبما نسمِّيه هذا النهارَ "التَّحلي النَّفسي psychoanalysis".

ومن هذا ما رُوِيَ عن ابن سينا الذي مرتفعَج مَريضاً كان يَعتقِد بأنَّه "بقرة"، "وقد كان يطلب من ذويه بإلحاح أن يَذبَحوه، فانقطعَ عن الغذاء لأنَّهم رفضوا أن يفعلوا هذا، فضعف كثيراً وأقلقَ الأهلَ والجيران بِخُواره وصُراخه. وطلب أهلُه أن يتولَّى ابنُ سينا أمرَه، فأرسل إليه من يخبره بأنَّه آتٌٍ ليذبحه تجاوبً لطلبه. ولمَّا حضرَ ابنُ سينا وفي يده السكِّين، أمرَ بربط يدي العليل ورجليه، وطَرحَه على الأرض ليذبحه. ولمَّا همَّ ابنُ سينا بالذَّبح، جَسَّ عضلاتِ العليل جسَّاً دقيقاً، ثمَّ التفتَ إلى أهله وتحدث لهم بصوتٍ جَهُوري: إنَّ تلك البقرةَ هزيلةٌ بشكل كبيرً، ويجب تَسمينُها قبلَ ذبحها؛ فأخذَ العليلُ من هذه الساعة يأكل بشهيةٍ زائدة ليسمن، فقَوِيَ جسدُه وتركَ وهمَه وشُفِي من مرضه شفاءً تاماً" (النظامي العروضي السَّمرقندي ـ جهار مقالة (ترجمة عزَّام والخشَّاب).

ومِمَّا يُروى ايضاً عن والدي البركات هبة الله علي بن ملكا: "أنَّ مَريضاً ببغداد كان قد عرضت له عِلَّةُ المالينخوليا، وقد كان يعتقد أنَّ على قمته دَنَّاً وأنَّه لا يفارقه أبداً؛ فكان كلَّما مشى يتحايد المواضعَ التي سقوفُها قصيرة، ويمشي برفق، ولا يترك أحداً يدنو منه، حتَّى لا يميل الدَّنُّ أو يحدث عن رأسه. وبقي في ذلك الداء مدَّةً، وهو في شدَّةٍ منه. وعالجه جماعةٌ من الأطبَّاء ولم يحصل بمعالجتهم نفوذٌ يَنتفِع به.

وأُنهِي أمرُه إلى أبِي البركات الذي مرتفعَجه من وهمه بأن أمرَ غلاماً أن يضربَ بعصا من فوق رأس العليل، وأمرَ غلاماً آخر أن يرمي بذات الدَّقيقة دَنَّاً خلفَ ذلك العليل.

فلمَّا عاينَ العليلُ ما فُعِل به، ورأى الدَّنَّ المنكسر، تأوَّه لكسرهم إيَّاه، ولم يشكَّ بأنَّه الذي كانَ على قمته بزَسادِه، وأثَّر فيه الوَهمُ أَثَراً، وبَرِئ من عِلَّته هذه" (ابنُ أبِي أُصَيبِعَة ـ عُيُون أخر الأحداث في).

ولابن سينا أسلوبٌ مَشهورة في تشخيص العِشق ومداواته، وهي تشبه ما نسمِّيه هذا النهارَ أسلوبَ أماط اللثام الكذب.

يقول ابنُ سينا عن العشق: "ذلك مرضٌ وَسواسي يُشبِه المالينخوليا، يكون الإنسانُ قد جلبه إلى ذاته ... فيتغيَّر نبضُه (ويقصد العاشِق) وحالُه نحو أوضح المحبوب خاصَّة، وعند لقائه بغتةً، ويمكن من هذا أن يُستدلَّ على المحبوب من هو إن لم يتعرَّف به، فإنَّ علمَ المحبوب تسهل دواءَ العليل ... والحيلةُ في هذا أن تذكرَ أسماء كثيرةً تُرجع مراراً وتكون اليدُ على نبضه، فإذا اختلفَ بهذا اختلافاً عظيماً وصار شبهَ المنقطع، ثمَّ عاود، وجرَّبت هذا مراراً علمت أنَّه اسمُ المحبوب. ثمَّ تَأوضح ايضا السككَ والمساكِن والحِرَف والصِّناعات والنسب والبلدان، وتضيف كلاًّ منها إلى اسم المحبوب ويَحفَظ النبضَ حتَّى إذا كاد يتغيَّر نحو أوضح شيء واحد مراراً، جَمعتَ من هذا خواصَّ معشوقه من الاسم والمحلَّة والحرفة وعرفته؛ فإنَّا قد جرَّبنا ذلك واستخرجنا به ما كان في النهوض عليه منفعةٌ. ثم إذا لم تجد علاجاً سوىَّ خطة الجمع بينهما على وجه يحلُّه الدين والشريعة فعلتَ" (ابنُ سينا ـ التشريع).


مساحة إعلانية

يمكنك مشاركة الموضوع على الواتساب من هاتفك المحمول فقط

اكتب كلمة البحث واضغط إنتري